Senin, 18 Juli 2011

حاجة الناس إلى الحياة الربانية والتربية الإيمانية

د. يوسف القرضاوي
                                                                                     
لقد تبين لي من خلال التجربة العملية، والممارسة الميدانية، مع عوام الناس ومع مثقفيهم، مع الغافلين منهم، ومع العاملين في الجماعات الإسلامية المختلفة، أن الجميع أفقر ما يكونون إلى تربية إيمانية صادقة، تغسل قلوبهم من حب الدنيا، ومن حب أنفسهم، وتأخذ بأيديهم إلى الله تبارك وتعالى، وتحررهم من العبودية للأشياء وللأهواء وللأوهام، ليعتصموا بالعبودية لله وحده، وبذلك يطهرون عقولهم من الشرك، وقلوبهم من النفاق، وألسنتهم من الكذب، وأعينهم من الخيانة، وأقوالهم من اللغو، وعباداتهم من الرياء، ومعاملاتهم من الغش، وحياتهم من التناقض.
وبعبارة أخرى: هم في حاجة إلى "التزكية" للنفوس، التي لا فلاح بغيرها، كما قال تعالى: " لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" (آل عمران:164)
ولقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بمهمته خير قيام، وربى أفضل جيل عرفته البشرية: إيمانا وتعبدا، وخلقا وبذلا، وجهادا في سبيل الله، وكان هذا الجيل النموذجي معلما للبشرية كلها من بعد.
والناس أحوج ما يكونون إلى التأسي بهذا الجيل الرباني، والتخلق بأخلاقه التي وصفها الله في آخر سورة الفتح، وتحقيق "شعب الإيمان" السبعة والسبعين في حياتهم حتى يرضى الله عنهم، وحتى يصلوا إلى درجة "الإحسان" الذي عرفه الرسول الكريم بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك" كما جاء في حديث جبريل المشهور.
إنهم في حاجة إلى معرفة عيوب النفس، وأمراض القلوب، ومجامع الهوى، ومداخل الشيطان، وكيف يتقيها المسلم ما استطاع، فالوقاية أسلم، وكيف يعالجها إذا سقط فيها، فما جعل الله داء إلا جعل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله.

ولكن الخطر هو اهتمام الناس بأمراض أبدانهم، وغفلتهم عن أمراض قلوبهم، وإذا تنبهوا لها، فأين يجدون أطباء القلوب؟ والمفروض أنهم العلماء، بيد أن العلماء أنفسهم باتوا من جملة المرضى، فلا حول ولا قوة إلا بالله!
وقد قال الشاعر:
فكيف بالملح إن حلت به الغير؟!     بالملح يصلح ما يخشى تغيره
لكن الخير لن ينقطع عن هذه الأمة، ولا تخلو الأرض من قائم لله بالحجة.
إن الحياة المادية المعاصرة: رحى طحون، والناس هم الحب المحصور بين حجريها الكبيرين، تطحنهم طحنا، ثم بعد ذلك يعجنون ويخبزون، ولا تنضجهم إلا النار! ولا سبيل أمام البشرية عامة، والمسلمين خاصة، إلا بالحياة الربانية.
إنهم في حاجة إلى "ربانية نقية" ترفعهم من حضيض عباد الشيطان، إلى ذرا عباد الرحمن، وتنقلهم من تعاسة عبودية الدينار والدرهم، وعبودية الدنيا، إلى سعادة التحرر منها، وعز طالب الآخرة. إنهم في حاجة إلى "الصدق مع الحق، والخلق مع الخلق"، وهذا ملخص التصوف، أو هو تقوى الله والإحسان إلى خلقه، وهذا هو الدين كله، وإليه الإشارة بقوله تعالى في ختام سورة النحل: " إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ" (النحل:128) 
نريدها "ربانية نقية" واضحة الغاية، بينة الطريق، مستقيمة على أمر الله، متبعة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماضية على نهج السلف، بعيدة عن بدع القول والعمل، وانحراف الاعتقاد والسلوك، تسمو بالروح، وتزكي النفس، وتحيي الضمير، تجدد الإيمان، وتصلح العمل، وترقى بالأخلاق، وتنمي حقيقة الإنسان!
لا نريدها دروشة منحرفة، ولا رهبانية مغالية، ولا مظهرية زائفة، ولا نظريات فلسفية بعيدة عن روح الإسلام، ووسطية الإسلام.
---------------
-         عن كتاب " الحياة الربانية والعلم"، د. يوسف القرضاوي.
-         طالع الكتاب

 

0 komentar:

Posting Komentar